صحةملفات وتقارير

بالتفاصيل .. كيف نحمي أطفالنا من التنمر؟

تؤكد معظم الدراسات الاجتماعية التي اجريت على مستوى العالم لا سيما العالم العربي إلى شيوع وانتشار ظاهرة التنمر في السنوات الأخيرة بشكل كبير ومخيف، خاصة بين طلاب المدارس أو بالتحديد في المرحلة العمرية ما بين الـ (6 سنوات إلى 13 سنة)، وزاد اهتمام الباحثين في المجالات الاجتماعية والتربوية بتلك الظاهرة عندما أقدم ثلاثة مراهقين في النرويج على الانتحار نتيجة تعرضهم للتنمر، وحينها قام الدكتور Dan Olweus  استاذ علم النفس في جامعة برجين النرويجية بدراسة مستفيضة للتنمر في المدارس، وقدم للعالم برنامج وقائي للتصدي للتنمر، وعلى الفور انتشر البرنامج في دول كثيرة.

ونتيجة لتنامي وانتشار ظاهرة التنمر في مجتمعنًا ليس في المدارس فقط، بل أصبح التنمر في كل الأروقة خاصة بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات مشاركة الصور والفيديوهات، لذلك حرص موقع «عالم البيزنس» على تقديم كل ما يتعلق بظاهرة التنمر في محاولة للتعرف على دوافع الأشخاص المتنمرين لانتهاج هذا السلوك، وبالتالي عرض البرامج الوقائية التي اعدها اساتذة علم النفس والاجتماعي للتصدي للتنمر في المجتمع المصري.

ما هو التنمر

يعرف Dan Olweus استاذ علم النفس بجامعة برجين النرويجية التنمر بأنه «تكرار تعرض الطالب أو الشخص ولمدة طويلة إلى أفعال سلبية من طالب أو طلاب أخرين.

ويعرف آخر التنمر بانه «سلوك يهدف إلى إلحاق الأذى، ويفتقد التوازن بين المتنمر والضحية، بحيث يمتلك المتنمر ومن معه القوة الجسمانية والنفسية مقارنة بالضحية، فضلًا عن تكرار حدوث الأذى لمدة طويلة.

كذلك فإن التنمر «ظاهرة عدوانية وغير مرغوبة، تتم عن طريق مارسة العنف والسلوك العدواني من قبل شخص على أو مجموعة أشخاص ضد شخص واحد أو أكثر.

ومن التعريفات السابقة يمكن تحديد تعريف جامع للتنمر «التنمر سلوك عدواني يمارسه فرد على فرد آخر بصورة دورية متكررة، ويلحق به أذى لفظيًا أو جسديًا، بصورة مباشرة أو غير مباشرة».

الأطفال بين التنمر والنزاع

حتى نستطيع فهم جميع جوانب ظاهرة التنمر وتحديد مسبباتها  لنتمكن من وضع حلول علاجية لها، لابد لنا وأن ندرك الفرق بين التنمر والنزاع، فكما ذكرنا أن التنمر هو سلوك سلبي عدواني متكرر يكون هدفه إلحاق الأذى بالأشخاص المتنمر ضدهم، ولا يوجد فيه تكافؤ في القوة الجسدية بين المتنمر والضحية، فالضحية دائما ضعيف وغير قادر على مقاومة المتنمر، وهذا ما يجعل المتنمر يشعر بسلطته فيفرضها على ضحاياه متى شاء، أما النزاع فهو: «سلوك طبيعي مقبول يحدث بين الطلاب أو الأشخاص، ويعتبر جزءًا من خبرات الطفل الذي يكتسبها ويتعلم من خلالها مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي».

تقسيم المتنمرون حسب علماء النفس

في العام 2010 اعد اثنان من علماء النفس في النرويج بحثًا على ظاهرة التنمر لتحديد أنواع المتنمرين حتى يمكن للفرد أو للطالب أو لإدارة المدرسة التعامل معهم، حيث أشار البحث إلى أن المتنمرين ينقسمون إلى ثلاثة أنواع رئيسية:

  • المتنمر العدواني:-

والمتنمر العدواني هو الشخص الذي يبادر بالاعتداء، ويكون من طبيعته حب القتال والتشاجر، وعدم الخوف، والقسوة، والثقة بالنفس، والاندفاعية، وكثيرًا ما يظهر سلوك التنمر لدى الأطفال الاندفاعيين الذين يفتقدون القدرة على تحمل الإحباط مع الميل إلى العنف والتسلط.

  • المتنمر السلبي:-

وهذا النوع من المتنمرين أقل انتشارًا عن سابقة المتنمر العدواني، ونادرًا ما يبادر إلى التنمر ولكنه يشارك فيه بشكل أو بآخر للحصول على استحسان المتنمر العدواني.

  • المتنمر – الضحية:-

هذا النوع من المتنمرين  يقوم بالتنمر فقط لشعوره بالإحباط نتيجة تعرضه المتكرر للتنمر.

  • المتنمر العلاقاتي:-

وهو النوع من المتنمرين يسيئ إلى الآخرين بإقصائهم في اللعب والمناسبات الاجتماعية، فيشعرون على أثر ذلك بالوحدة والعزلة، وبأنهم غير مرغوب فيهم، ويحاول المتنمر العلاقاتي الحصول على القوة والتميز الاجتماعي من خلال السيطرة، وعزل الضحية، ويتضمن التنمر الاعتداء الجسمي واللفظي والاجتماعي.

  • المتنمر الإلكتروني:-

وهذا النوع من المتنمرين يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لإيذاء الضحية، ويعد هذا النوع من أخطر انواع المتنمرين صعوبة نتيجة لصعوبة اكتشافه.

الأسباب التي تدفع إلى انتشار ظاهرة التنمر في المجتمع

أكدت معظم الدراسات والأبحاث التي اجراها العديد من علماء النفس والاجتماع على ظاهرة التنمر إلى أن أهم الأسباب التي تساعد على تنامي وانتشار التنمر وخاصة التنمر في المدارس ترجع في مجملها إلى التغيرات التي حدثت في المجتمع الإنساني، والمرتبطة أساسًا بظهور العنف والتمييز بكل أنواعه، واختلال العلاقات الأسرية في المجتمع، وتأثير الإعلام على المراهقين في المراحل الأساسية من التعليم، كذلك زيادة حالات الفقر، وعدم قدر أولياء أمور المتنمرين على ضبط سلوكاتهم.

ويمكن تحديد أهم الأسباب التي تؤدي إلى وجود ظاهرة التنمر فيما يلي:.

  • الازدحام السكاني:-

حيث أن وجود أفراد كثر في مكان واحد ضيق يثير السلوكات العدوانية لديهم.

  • الفقر والحاجة المادية:-

يعد الفقر وتدني الأحوال المادية والمعيشية من العوامل الرئيسية المسببة للشعور بالتوتر والإحباط والاضطرابات، لذلك فإن توجيه السلوك العدواني تجاه بعض الأفراد يساعد على التخفيف من الشعور بالإحباط والعزلة.

  • مستوى التعليم:-

يحدد مستوى تعليم الفرد سلوكه وتصرفاته داخل المجتمع، فكلما زاد مستوى التعليم كان الفرد قادرًا على مواجهة مواقف الإحباط، ويكون لديه القدرة الكافية للتعامل مع كل المواقف التي يتعرض لها، وكلما قل وتدنى مستوى التعليم يصبح لدى الفرد محرضًا رئيسًا على العدوان، لشعوره بالإحباط، وعدم امتلاكه القدرة على مواجهة المواقف.

  • تقدير الذات:-

تعد التنشئة الاجتماعية المعتمدة على الترابط والتماسك الأسري من أهم العوامل التي تساعد الفرد وخاصة الأطفال على التعامل مع الأخرين بشكل أفضل، وتساعدهم في زيادة تقديرهم لذاتهم، وبالتالي فإن التنشئة الاجتماعية التي تعتمد على التفكك والتسلط والقسوة تساهم في تدني تقدير الفرد لذاته، ويصبح غير قادر على التكيف مع المواقف السلبية التي يتعرض لها في حياته، ويكون العدوان أحد الأساليب التي يتبعها لتفريغ إحساسه باليأس والفشل المجتمعي.

الدكتور أحمد خيري حافظ
الدكتور أحمد خيري حافظ

يقول الدكتور «أحمد خيري»؛ استاذ علم النفس بجامعة عين شمس لموقع «عالم البيزنس»: إن الأسباب التي تؤدي إلى تنامي وانتشار الظواهر السلبية في المجتمع كثيرة ومتعددة، ومنها أن أفراد المجتمع يتزايد اعدادهم بشكل كبير، وكذلك ظاهرة إزدحام الشوارع وما لها من توابع سلبية شديدة، وتعتبر الضغوط الاقتصادية من العوامل التي تساهم في انتشار هذه الظواهر، حيث تمثل عبء على المواطنين، وتلعب البطالة دور كبير في تنامي وانتشار السلبيات، والأهم من هذا كله أنه لا توجد دراسات وقائية لهذه الظواهر، فعلم النفس حتى الأن يستخدم في شيئين إما في رصد الظواهر، أو في علاج بعض أجزاء منها، وهذا الدور محدود جدًا، بينما يعتبر الدور الوقائي غاية في الأهمية لعلاج الظواهر السلبية.

ويستكمل استاذ علم النفس بجامعة عين شمس: اعددت مقالة بعنوان “الصيانة النفسية” أي أن الإنسان يحتاج لعمل صيانة مثل ما يقوم به من صيانة العمارات والأجهزة الكهربائية، فالبشر يحتاجون إلى الصيانة لكي تكون لديهم القدرة على تحمل الضغوط النفسية وتحمل الأزمات والوقاية منها، فالإنسان يحتاج إلى دورات تدريبية ومهارات يكتسبها فيصبح أكثر قوة في مواجهة الضغوط ويحتاج أيضًا إلى ثقافة نفسية منتشرة جدًا وواسعة، بحيث أن كل ما هو غامض في السلوك يصبح واضح للناس.

ويوضح الدكتور أحمد خيري أن التنمر في حالة الاستقواء أي القوي على الضعيف، فالسؤال هنا يكون هل الاستقواء محكوم في المجتمع بقوانين؟ وهذه القوانين تستطيع أن تكون رادعة بالنسبة للتنمر، تكون رادعة للعنف، رادعة للتحرش، ولا يكون القانون في هذه الحالات رادعًا وحاسمًا في التعامل معها.

وتقول «داليا صلاح» مديرة المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة لموقع «عالم البيزنس»: لدينا ارتفاع في قضايا العنف ضد الاطفال إما بسبب وسائل الإعلام أو المواد التي تقدم لهم عبر الشاشات، حتى أن أفلام الكارتون الموجهة لهم اصبح فيها جانب من العنف الشديد، وهى عبارة عن رسائل عنف تصل إليهم، ولدينا قضايا كثيرة “عنف وضرب ودخول مستشفيات” بسبب أن الأباء أو الأمهات كانوا يقومون بضرب أبنائهم ضرب مبرح لأي سبب كان، فهذا الولد طبيعي أن يصبح متنمر، وما يقوم به يكون رد فعله نتيجة لما يحدث معه، كما لا يوجد لدينا في المدارس برامج متخصصة، ولا يوجد لدينا اخصائيين نفسيين مؤهلين، ولا يوجد لدينا أيضا اخصائيين اجتماعيين من الأساس، فبالتالي هذه الحالات لا يتم رصدها، بل بالعكس عندما يجدوا مجموعة اطفال هكذا يقومون بجمعهم في فصل واحد دون باقي زملائهم وبالتالي تزيد الظاهرة في المدارسة بين الطلاب أكثر فأكثر، فبدلا من وجود واحد أو اثنين داخل كل فصل يوجد لدينا فصل كامل لديهم نفس صفات العنف.

وترجع «داليا صلاح» الأسباب الحقيقية لانتشار ظاهرة مثل التنمر وجود مشكلة داخل الأسرة والمدارس على حد سواء، فنحن دائمًا ننادي بالتوعية ورفع الوعي وتقديم مادة علمية مناسبة للأطفال في المراحل العمرية المختلفة.

وتوضح أن المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة تقوم بمبادرات في محاولة لمعالجة بعض هذه الظواهر السلبية في المجتمع مثل ظاهرة التنمر، ففي العام الماضي قدمت برامج توعوية داخل المدارس، وتم الترويج لها عبر وسائل الإعلام المختلفة، والدليل على ذلك أن خط نجدة الطفل قد رصد حالات كثيرة قدمت فيها بلاغات عن سلوكيات التنمر داخل المدارس، وأن الابحاث والدراسات التي تقدم في اقسام الاجتماع وعلم النفس بالجامعات المصرية لا تصل إلى مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني على الرغم من كون هذه الأبحاث سواء رسائل ماجستير أو دكتوراة تكون الأولى من نوعها في الوطن العربي والشرق الأوسط إلا أنها توضع على أرفف المكتبات ولا يتم الاستفادة منها، وفي الفترة الأخيرة نشهد للحمل التي تبناها المجلس القومي للأمومة والطفولة بالتعاون مع اليونسيف وهي مبادرة بعنوان “بالهداوة وليس بالقساوة” وهذه المبادرة تكون داخل المدارس، وقدمت لهذه الحملة مادة اعلامية كبيرة على شاشات التلفزيون، وهذه الحملة توضح أن هذا العنف يمكن أن يكون سببًا في فشل الطفل أي أن العنف ليس هو الحل، ونحن نتحدث عن التربية الإيجابية الخالية من العنف.

كيفية علاج الأطفال الذين يتعرضون للتنمر

كثيرًا ما يؤكد علماء النفس على دور الترفيه واللعب في نمو الأطفال، حيث يسهم في النمو الاجتماعي والعاطفي لديهم، ويعد الأساس لتطور مهارات التفاعل الاجتماعي عندهم، بالإضافة إلى مساعدة اللعب والترفيه في تعزيز الثقة بالنفس، وتطوير القدرة على حل المشكلات، وبناء مهارات القيادة واتخاذ القرار.

ويؤكد العلماء على ضرورة وجود جسر تواصل بين الوالدين والأطفال المعرضين أو الذين يتعرضون للتنمر، حيث يساعد التواصل على التفاعل المتبادل بالصوت والحركة، والذي يوصل الأمان والقبول والتعاطف للأطفال المتنمر ضدهم، ذلك لأن معظم الأطفال الذين يتعرضون للتنمر يميلون إلى عدم الإفصاح عن الحادثة لخوفهم من الأشخاص المتنمرين، ولشعورهم بأن والديه أو البالغين المحيطين به لا يهتمون به ولا بما يصيبه.

وينصح العلماء استخدام وسائل العلاج باللعب لمساعدة الأطفال المتنمر ضدهم للخروج من الحالة النفسية السيئة التي يكونون عليها، حيث يوفر العلاج باللعب فرص للضحك، والمتعة، فضلًا عن أن أساليب التدخل المستخدمة تهدف إلى توفير فرص النجاح والثقة بالنفس لدي جميع الأفراد، وهي من أهم العوامل التي يحتاج إليها الأطفال الذين يتعرضون للتنمر.

طرق علاج الأطفال المتنمرين

ولأن التنمر مشكلة اجتماعية خطيرة تهدد المجتمع لا سيما الأطفال، فلابد من التصدي لها وإيجاد حلول جذرية لها، ومعالجتها بشكل مباشر وتقديم الدعم الكامل للأفراد المتنمرين حتى يعدلوا عن هذا السلوك، كذلك تقديم الدعم للأطفال الذين يتعرضون للتنمر، ويمكن تعديل سلوك الأطفال المتنمرين عن طريق:-

  • المشاركة المجتمعية للأشخاص المتنمرين.

  • مساعدة الأطفال المتنمرين على تحسين مستوى تعليمهم، عن طريق تقديم الدورات التدريبية الكافية لهم.

  • تعزيز ثقة الأطفال المتنمرين في انفسهم، والتأكيد على احترامهم.

  • تكاتف جميع أفراد وجهات ومنظمات المجتمع للتصدي لتلك الظاهرة بعلاجها وليس بالسكوت عنها.

  • مشاركة الأطفال المتنمرين في الأنشطة والفعاليات الاجتماعية المختلفة.

  • مساعدة الأشخاص المتنمرين عن طريق العلاج النفسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
البنك الأهلى المصرى