حسام خضرا يكتب: غزة.. ماذا يفعل التعليم في وطن ضائع؟!
في العام 1999 كنت في الصف السادس الابتدائي، وأذكر جيدًا ذلك العام بالتحديد لأنني اكتسبت عادة جديدة في تلك المرحلة من حياتي الدراسية بأن أقوم بكتابة التقويم العربي والهجري داخل كل صفحة في الكرّاسة لإضفاء لمسة جمالية أولاً وطمعاً في تحصيل المزيد من الدرجات بسبب الترتيب..
كما أذكر أنني اجتزت تلك المرحلة بشكل جيد لأنني كنت أريد أن أكبر سريعاً وأصل إلى المرحلة الإعدادية، فقد كنت أريد وبشدة تغيير اليونيفورم المدرسي الخاص بالمرحلة الابتدائية والذي كنت أبغضه بسبب لونه، فقد كان اليونيفورم في ذلك الوقت مريول أخضر قاتم طويل، ولا أعرف السر وراء اختيار مثل هذه الهيئة للطلاب الأبرياء آنذاك، أما في المرحلة الإعدادية فقد تغير اليونيفورم ليصبح قميصاً أزرق اللون يمكن وضعه داخل البنطال ليظهر بشكل لائق، أما المرحلة الثانوية فقد كانت تتميز باللون الرمادي الهادئ.
التعليم في غزة قبل الحرب
لك أن تتخيل أن هذه كانت أقصى طموحاتي كطالب في المرحلة الابتدائية في تلك الفترة، وكنت حينها أعيش مع عائلتي الصغيرة داخل شقة تبلغ مساحتها 110 أمتار في منزل العائلة الممتدة، وكان المنزل آنذاك يضم شققاً لأعمامي وأبنائهم وبناتهم، وكانت الحياة لدينا تتلخص بأن نستيقظ صباحاً في وقت لا نحبه لتناول الفطور على عجل ومن ثم نذهب إلى المدرسة أفواجا، وبعد العودة نتناول التصبيرة وهي عبارة عن وجبة خفيفة تسبق الغداء الذي نتناوله في وقت محدد يتزامن مع عودة والدي من العمل..
فـ لا أتذكر أننا تأخرنا عن مائدة الأسرة إلا في ظروف قليلة، فوجبات الطعام الثلاثة المقررة يومياً كانت يجب أن تتم في وقت موحد لجميع أفراد العائلة، وقد كان هذا هو النظام السائد داخل القطاع فاجتماع الأسرة يومياً كان مهماً أكثر من أي شيء آخر.
عام دراسي جديد في غزة
أسترجع هذه الذكريات ونحن على أعتاب بداية عام دراسي جديد تبدو ملامحه بالنسبة للطلاب في قطاع غزة ظاهرة ولا تحمل مجالاً للشك بأنه سيكون كسابقه..
فيبدو أن عجلة التعليم التي كانت تتسارع قبل السابع من أكتوبر داخل القطاع فلا يكاد منزل يخلو من حامل للماجستير أو الدكتوراه أو البكالوريوس أو الثانوية العامة وذلك أضعف التعليم، قد توقفت مع دخول الحرب عامها الثاني لتنطبق علينا المقولة الخالدة و«ماذا يُفيد التعليم في وطن ضائع».
أثر الحرب على التعليم في غزة
في العام الدراسي 2020/ 2021، بلغ عدد التلاميذ المسجلين في العملية التعليمية في قطاع غزة حوالي 600.000 طالب وطالبة، فيما بلغ عدد المدارس داخل القطاع 803 مدارس أصبحت غالبيتها غير صالحة للاستخدام بفعل الحرب الإسرائيلية..
فلم تشفع كافة الاتفاقيات الدولية عند طرفي الصراع في تحييد تلك المباني التي من المفترض أنها تمتلك حصانة خاصة لدورها السامي في تنمية وتطوير المجتمع، لكن حماس لم تنفك عن استخدامها كوسيلة للحماية فيما لم تتوانى إسرائيل عن استهدافها في سبيل تحقيق الأهداف المرجوة من الحرب بالقضاء على العناصر التي تعمل على استخدام تلك المناطق التي من المفترض أن تكون آمنة أكثر من أي مكان آخر.
إنقطاع طلاب غزة عن المدارس
إنَّ المهنية تقتضي أن نذكر، أنَّ القيادة الفلسطينية أيضاً أغفلت قضية التعليم وانقطاع الطلاب عن مدارسهم منذ العام الماضي، فـ آلاف الطلاب في غزة لم يستطيعوا اجتياز اختبارات الثانوية العامة، وعشرات الآلاف لم يلتحقوا بالمرحلة التمهيدية التي يبدأ الطفل خلالها بتكوين وعيه تجاه قضيته والعالم، وهذا الأمر ينذر بعاقبة مؤلمة من الجيل الجديد الذي فتح عينيه على هذه الحرب ولم يكن بيده حيلة حتى لبدء تعلم القراءة والكتابة مبكراً.
كما أن القيادات الفلسطينية خاصة تلك التي تنتمي لحركة حماس نسيت أو ربما تناست مسألة التعليم التي أضحت مسألة غير أساسية أيضاً حتى بالنسبة للسكان المحليين، فالتفكير الآن ينصب على كيفية النجاة بأي ثمن، لكن ثمن الحياة في إطار من الجهل ربما يكون مكلفاً للطرفين أكثر من الموت في ظل الحرب..
حق أطفال غزة في التعليم
فـ الجهل لا يُولد إلا مزيداً من التطرف وانعدام الثقافة وعدم تقبل الآخر، ولا سبيل الآن إلا إلى التكاتف بهدف الوصول إلى حل يختصر الطريق أمام الأجيال الجديدة التي تستحق حرية تقرير مصيرها بعيداً عن المناكفات السياسية والحروب، فالعلم والتعليم هو الوسيلة الوحيدة التي يمكنها وقف هذه الحرب والوصول إلى مرحلة التحرر من الاحتلال مع التركيز على إنشاء جيل سوي بعيداً عن كل تلك المنظومة الفاسدة من السياسيين وأصحاب الآراء المأجورة والأقلام المارقة..
فأطفالنا ليسوا وقودًا بل هم المستقبل لأي أمل قادم.. وعلى الرغم من أنَّ الحديث عن الأمل في هذه المرحلة من حياتنا كـ فلسطينيين يُعتبر درباً من دروب الوقاحة..
إلا أن الوقاحة في النصائح التي تعودُ بالنفع على المجتمع تعتبر قمة في التهذيب، فالوقاحة حقاً هو أن يضيع عام دراسي آخر على عشرات آلاف الطلاب دون أن يتم وضع حلول ديناميكية وفعّالة يُمكنها التخفيف من أثر المشكلة التي يبدو أنها ستطول قليلاً.