د. عادل عبدالشكور يكتب: برمائيات وزواحف مصر 55 نوع من النيل إلى قناة السويس
كانت منطقة قناة السويس قبل إنشاء قناة السويس منطقة صحراوية متنوعة، فيها الكثبان الرملية والهضاب والجبال ولم تكن فيها مصادر مياه عذبة تغذي المنطقة من بورسعيد شمالاإلى السويس جنوبا إلا من مياه الأمطار أو الآبار. ولم تكن أنشئت المدن مثل بورسعيد التي سميت على اسم الخديوي سعيد والإسماعيلية التي سميت على اسم الخديوي إسماعيل، ولا شك أن هذه البيئة الصحراوية هي بيئة مناسبة لمعيشة الزواحف من سحالي وثعابين وسلاحف برية.
ومن السحالي التي وجدت في المنطقة الصحراوية – على سبيل المثال لا الحصر – وذلك في بحث شامل غطى المنطقة في عشر سنوات متتالية منذ أوائل هذه الألفية، سحلية قاضي الجبل والضب المصري والحرباء والبرص الرملي ودفان الرمل والحية المقرنة والحية غير المقرنة. وهذه الأنواع ذكرت في كتاب العالم الإنجليزي “جون أندرسون” (برمائيات زواحف مصر) والذي صدر في عام 1898. ومن المتوقع أن تكون مثل الأنواع كانت موجودة بالفعل في هذه البيئة قبل إنشاء قناة السويس لأنها مناسبة لمعيشتها.
عندما بدأ حفر قناة السويس في عام 1859 كان لابد من إنشاء مصدر للشرب فأنشئت ترعة الإسماعيلية عام 1862 وهي فرع من نهر النيل امتد إلى مدينة الإسماعيلية، ومن الإسماعيلية امتد فرع من هذه الترعة إلى بورسعيد شمالا وآخر إلى السويس جنوبا بهدف إمداد مياه الشرب إلى العمال الذين يحفرون القناة ويعملون في هذه المنطقة. أصبحت هذه الترعة مصدرا لجلب بعض الأنواع من البرمائيات والزواحف التي تعيش في وادي النيل إلى منطقة قناة السويس مثل الضفدعة الرقطاء والضفدعة المخططة، وهما نوعان مرتبطان بوادي النيل ويوجدان في مياه النيل وفي فروعه، ثم انتشرت الضفادع بزيادة الرقعة الخضراء على جانبي الترعة.
سحلية الحدائق
انتشرت أيضا بعض أنواع من السحالي لم تكن موجودة بالمنطقة، مثل سحلية الحدائق والمعروفة أيضا في المناطق المزروعة والحدائق ومنها جاء الاسم، وانتشرت هذه السحلية في منطقة القناة وخاصة حول الترعة الحلوة والمصارف المتفرعة منها وفي الحقول الخضراء. أما الثعابين المعروفة والتي رصدت في وادي النيل في الأبحاث السابقة مثل ثعبان أبو السيور وثعبان الماء فقد تم رصدها في المنطقة بعد حفر الترعة بسنوات. وهكذا أصبح في منطقة القناة أنواع من البرمائيات والسحالي والثعابين حول الترعة وفي الصحراء المجاورة لها لم تكن موجودة قبل إنشاء الترعة الحلوة والتي تجري موازية لقناة السويس من ناحية الغرب على بعد من 2- 8 كم، ثم انتشرت هذه الأنواع بعد زيادة المصارف وتعمير المنطقة وزيادة الرقعة الخضراء بها.
افتتحت قناة السويس عام 1869 وأصبح هناك أنواع من الزواحف تعيش في غرب القناة وشرقها وهي حيوانات صحراوية كانت تعيش في بيئة واحدة قبل حفر القناة وفصلتها قناة السويس. من هذه الأنواع سحلية سمكة الرمل “السقنقور”، وسحلية « السقنقر» وسحلية الدفان الكبير والدفان الصغير، وهذه أنواع تسكن الرمال الناعمة والخشنة إلى حد ما.
الانتقال إلى شرق القناة
وهناك أنواع تعيش في غرب قناة السويس لكنها لم تستطع الانتقال إلى شرق القناة وحتى إن انتقلت فلن تستطيع التكيف في تلك البيئة الجديدة مثل الضفادع والأنواع التي أتت من وادي النيل واستقرت في غرب قناة السويس في ذلك الوقت، ففي غرب القناة ترعة مياه عذبة وحقول خضراء،أما شرق القناة فكانت لفترة طويلة منطقة صحراوية غير صالحة لمعيشة البرمائيات وبعض أنواع من السحالي والثعابين، بالإضافة إلى أن الضفة الشرقية للقناة وهي أقصى الغرب لشبه جزيرة سيناء كانت منطقة تكاد تكون معزولة، فهي منطقة عسكرية وأرض للصراع لفترة طويلة.
وبعد حرب أكتوبر 1973 واسترداد أرض سيناء اخترقت حاجز قناة السويس ترعة السلام، وأصبحت تجري في ربوع سيناء شرق القناة وانبثق منها فرع مواز لقناة السويس في الشرق. شجع هذا التغير في البيئة الصحراوية شرق القناة انتقال بعض الأنواع إلى الشرق لوجود البيئة المناسبة لها، فوجدنا الضفدعة الرقطاء المصرية التي أتت من النيل في ترعة السلاموفروعها وفي الحقول الخضراء التي نبتت على جانبيها، كما وجد ثعبان الماء في قرية ميت أبو الكوم الجديدة على بعد كيلومترات شرق القناة مقابل قرية الدفرسوار.
وكان للتعمير وبناء القرى في الشرق الأثر في جذب بعض الأنواع من السحالي فوجدنا البرص الهندي الذي أتى إلينا من الهند عن طريق البحر واستقر في مدينة السويس لوجود ميناء بحري فيها منذ سنوات طويلة ربما لقرون، ثم انتشر هذا النوع من السويس في منطقة القناة شمالا حتى وصل إلى بضعة كيلومترات شمال مدينة الإسماعيلية. تم رصد هذا البرص شرق قناة السويس على جدران البيوت وخاصة في القرى الجديدة مثل قرية الجلاء وقرية ميت أبو الكوم الجديدة. وازداد عدد الأنواع من البرمائيات والزواحف شرق القناة نتيجة هجرة بعض الأنواع من الغرب إلى الشرق أو انتقالها مع مواد البناء أو العلف أو في الأثاث،مع وجودالبيئة المناسبة.
على العكس من ذلك لم تتحرك بعض الأنواع المستوطنة غرب القناة إلى الشرق فعلى سبيل المثال البرص رباعي النقط والمنتشر في صحراء منطقة القناة لا يوجد في سيناء ولم يسجل في الضفة الشرقية للقناة، ربما لعدم وجود البيئة المناسبة أو الظروف المواتية التي تساعد في نقله أو نقل بيضه أو صغاره إلى الشرق عبر متاع المسافرين أو العمال الذين ينتقلون من غرب القناة للعمل في سيناء أو مشروعات شرق القناة.
البرمائيات والزواحف 55 نوع حول قناة السويس
وهكذا تكون قناة السويس ممرا لبعض الأنواع من البرمائيات والزواحف وتكون مانعا أو عائقا لبعض الأنواع أحيانا.
ومن آخر الدراسات والإحصائيات التي تمت على هذه الطائفة من الحيوان يكون قد تم رصد 33 نوعا من البرمائيات والزواحف غرب قناة السويس، و 22 نوعا شرق القناة، ومن المتوقع أن يزيد عدد هذه الأنواع بازدياد الرقعة الزراعية وخاصة شرق القناة وازدياد الحركة العمرانية والسكانية في منطقة قناة السويس وسيناء.
د. عادل عبد الشكور السيد
أستاذ علم الحيوان بكلية العلوم – جامعة السويس