هل تعيد زيارة وزير الخارجية الإيطالي لمصر رسم خريطة التجارة العالمية؟.. «عالم البيزنس» يجيب

كتبت شروق سمير
مع اطلاق ممرات تجارية جديدة، يشهد المسرح الاقتصادي العالمي تحولات سريعة قد تعيد توزيع النفوذ الاقتصادي وتغير خرائط التجارة العالمية، وهنا تبرز مبادرة “طريق القطن” ، المعروفة رسميا بالممر الاقتصادي بين الهند و الشرق الاوسط وأوربا (IMEC).
و يحظي هذا المشروع بدعم دولي وإقليمي قوي ، لا يقتصر تأثيرة علي تسهيل حركة البضائع بل يشمل ابعاد جيوسياسية اخري، لكن الغياب المصري عن المراحل الاولي لهذا المشروع رغم أهمية موقعها الجغرافي، أثار عدة تسؤلات خاصة في ظل التنافسية بين المبادرات الكبري ك “الحزام و الطريق الصينية”.
ما هو “طريق القطن”؟ وما أهدافه؟
“طريق القطن” هو ممر تجاري لوجستي يربط الهند بالخليج العربي، ومنه برًّا عبر السعودية والأردن، وصولا إلي ميناء حيفا في إسرائيل، ومن هناك بحرا إلى أوروبا، يتجاوز المشروع هدف تسهيل حركة البضائع،
بل يهدف إلى بناء بنية تحتية متكاملة تشمل موانئ، وسكك حديدية، وطرق برية ، في محاولة لتقديم بديل استراتيجي لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية.
كما تمثل إيطاليا دورًا رئيسيًا فيه كمحطة دخول أوروبية، وهو ما يعزز طموحاتها الاقتصادية كمركز لوجستي إقليمي.
زيارة وزير الخارجية الإيطالي إلى مصر إشارة لتغيير محتمل
أثارت زيارة وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، إلى القاهرة مؤخراً، اهتماماً كبيراً، خاصة بعد تصريحاته التي أكدت على أهمية الدور المصري وضرورة أن تكون مصر “جزءاً لا يتجزأ” من “طريق القطن”.
هذه التصريحات، التي وصفت بالمفاجئة، تشير إلى تحول محتمل في مسار المبادرة التي لم تكن مصر مدرجة فيها بشكل واضح في مراحلها الأولى.
ويعكس هذا الموقف الإيطالي إدراكاً متزايداً بأن أي مشروع تجاري إقليمي كبير لا يمكن أن ينجح أو يحقق كامل أهدافه دون مشاركة فعالة من مصر، نظراً لموقعها الاستراتيجي الفريد وقناة السويس التي تعد شرياناً رئيسياً للتجارة العالمية.
لماذا استبعدت مصر في البداية؟ وما علاقة الصين بذلك؟
رغم كونها دولة محورية في حركة التجارة العالمية، لم تُدرج مصر ضمن المسار الأساسي للمبادرة عند إطلاقها. ويُرجح السبب إلى شراكتها الاستراتيجية مع الصين في إطار “الحزام والطريق”، و استثمارات بكين في مشاريع كبرى داخل مصر، أبرزها في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
وبما أن “طريق القطن” يُعد من وجهة نظر بعض المحللين محاولة أمريكية أوروبية لموازنة النفوذ الصيني المتزايد، فقد يكون وجود مصر، وهي من الحلفاء الأساسيين لبكين في المنطقة، مثار تحفظ مؤقت.
لكن التصريحات الإيطالية الأخيرة تشير إلى أن هذا الموقف قد يكون قيد المراجعة .
قناة السويس في مواجهة “طريق القطن” منافسة أم تكامل؟
يشكل هذا السؤال جوهر النقاش حول مستقبل المبادرة، فبينما يروج البعض لـ”طريق القطن” كبديل أسرع وأكثر فاعلية من قناة السويس، يرى الخبراء أن المقارنة ليست بهذه البساطة.
فالممر الجديد يعتمد على نقل متعدد الوسائط (بحري، بري)، وهو ما يُضيف تحديات لوجستية وزمنية قد تؤثر على كفاءة النقل، خاصة للبضائع الضخمة.
في المقابل، تقدم قناة السويس ممرًا مائيًا مباشرًا وفعالًا، وتتميز بقدرتها على استيعاب السفن العملاقة والبضائع الثقيلة دون الحاجة للتفريغ أو إعادة الشحن.
كما أن استثمارات مصر في تطوير القناة والموانئ التابعة لها تعزز من تنافسيتها على المدى الطويل.
ماذا لو انضمت مصر إلى “طريق القطن”؟
في حال انضمام مصر إلى المشروع قد يحمل مكاسب اقتصادية وجيوسياسية كبيرة فمن الناحية الاقتصادية، يمكن أن تصبح مصر منصة لوجستية وصناعية تربط أفريقيا بالشرق الأوسط و أيضا أوروبا، وتستفيد من الاستثمارات في البنية التحتية وسلاسل التوريد.
كما أن وجودها سيعزز من جدوى المشروع عبر تقديم بدائل نقل أكثر مرونة ، هذا من شأنه ان يجذب استثمارات ضخمة ويعزز دور مصر في سلاسل التوريد العالمية.
أما من الناحية السياسية فإن انضمام مصر قد يغير التوازنات في المنطقة:
بالنسبة لإسرائيل: قد تري توسع الدور المصري منافسة اقتصادية ، او قد تفتح آفاقا للتعاون الإقليمي.
أما بالنسبة للولايات المتحدة: قد تعتبر واشنطن انضمام حليفتها مصر خطوة إيجابية لتعزيز المبادرة التي تدعمها لمواجهة النفوذ الصيني، لكنها ستظل تراقب عن كثب كيفية موازنة القاهرة لعلاقاتها مع الصين.
فرصة استراتيجية لمصر
تقف مصر اليوم امام فرصة استراتيجية هامة بفضل موقعها الجغرافي المتميز و قناة السويس التي تجعلها عنصرا أساسيا في أي ترتيبات تجارية كبري .
وبالنسبة الي مبادرة “طريق القطن” سواء كانت منافسا ام مكملا للمشاريع القادمة ، فالقرارات التي ستتخذها مصر في وسط الفرص و التحديات و قدرتها علي الموازنة بين تحالفاتها ومصالحها سترسم ملامح دورها الاقتصادي و السياسي في مستقبل النظام العالمي الجديد.