الأسواق العربيةمقالاتملفات وتقارير

د. أحمد الشعراوي يكتب لـ«عالم البيزنس»: «الحوكمة في عصر العولمة»

الحوكمة البيئية والإجتماعية للمؤسسات

قال الدكتور أحمد الشعراوي، خبير جودة التخطيط الاستراتيجي والتميز المؤسسي، والأمين العام المساعد للاتحاد العربي للتطوير والتنمية العامل في نطاق مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، إن مصطلحي «الحوكمة» و«العولمة» احتلا مساحات كبيرة من الدراسات والبحث خلال العقود القليلة الماضية. متسائلاً هل تحتاج المؤسسات العربية والحكومات إلى الحوكمة؟ وهل للحوكمة آفاق حقيقية لتحقيق التنمية المستدامة؟

نرشح لك.. الدكتور أحمد الشعراوي: «الحوكمة» أيقونة هيكلية لتحقيق التطوير والتنمية

توقّع خبير جودة التخطيط الاستراتيجي والتميّز المؤسسي، أن يأخذ مصطلح الحوكمة حيزًا واسعًا من الاستخدام والتداول فـي العديد من الدول، نامية كانت أم متقدمة، أو فـي طريق التحول الاقتصادي. كما بدأ يأخذ مثله مثل العولمة أبعادًا متعددة، مثلاً الحوكمة السياسية (الحكم الصالح)، الحوكمة البيئية، الحوكمة الاجتماعية، حوكمة الشركات والمؤسسات، حوكمة المصارف.. وأصبحت الحوكمة تقترن في غالبية الدراسات بمفهوم الشفافـية ليشكلا وجهان لعملة واحدة.

الحوكمة البيئية والاجتماعية للمؤسسات

أصبح الإهتمام متزايداً وكبيراً بالحوكمة البيئية والإجتماعية للشركات «Envirnmental, Social And Corporate Governance, ESG» وأن عددا كبيرا من المصارف والبنوك العالمية والدولية التي بادرت بهذا الشأن ووقعت على «مبادئ خط الإستواء Equator Principles» التي تتضمن الإستثمار المستدام والمسؤول «Susainable And Responsable Investment, SRI» في تمويل المؤسسات.

إن الحوكمة البيئية والإجتماعية تعني ببساطة الإدارة الرشيدة وهي أحد المجالات الاقتصادية التي تبحث في كيفية تعزيز وتحفيز الإدارة وزيادة كفاءتها من خلال مجموعة من المبادئ والخطوط الإرشادية والآليات التي ترمي في مفهومها العريض إلى العمل على تخفيف حدة الفقر وتحسين نوعية الحياة. ومن هنا يمكن القول إن هناك العديد من نقاط الالتقاء بين حوكمة الكيانات الاقتصادية والحوكمة البيئية والإجتماعية «Envirnmental, Social And Corporate Governance, ESG».

وتتطلب حوكمة البيئة الجيدة الالتزام بمجموعة من المبادئ الأساسية التي ترشد إدارة البيئة وتساعد على اتخاذ القرار السليم.

وقد أثبتت الخبرة الدولية أن سماح الحكومات بمشاركة المؤسسات المدنية والمنتفعين وإعطائهم مجالاً أوسع في إدارة وتخطيط البيئة له مردود إيجابي على تنمية البيئة، خاصة مع توافر أنظمة وتشريعات تعمل على تحسين عملية حوكمة البيئة. كما أن تفعيل المشاركة أثناء مرحلة اتخاذ القرار وفي مراحل التنفيذ وصنع السياسات البيئية يعني سلامة القرار ويضمن حماية البيئة وسلامة الأفراد، وبالتالي يخلق الثقة في السياسات الموضوعة.

من ناحية أخرى، فإن حوكمة البيئة يجب أن تتم بطريقة منفتحة لا تعطي مجالاً للجدال بين الأطراف كافة حتى تَكوْن مراحل تشكيل القرار ووضع السياسات ذات “شفافية” عالية وأن يتم الحصول على المعلومة بشكل مفهوم لكي تعطي الفرصة للمنتفعين بمتابعة التنفيذ وإيجاد الحلول المناسبة لمشكلات البيئة. ومن المبادئ الأساسية لحوكمة البيئة الجيدة إيجاد التوازن في استخدام موارد المياه والبيئة، حيث إن الاستخدام المتعقل للموارد الطبيعية والمحافظة عليها وترشيدها، إضافة إلى احترام البيئة وصيانتها من الأمور الحيوية التي يجب الالتزام بها لضمان الحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال الحالية والمستقبلية.

ومثال عن الموارد الطبيعية المياه التي هي مورد طبيعي ومصدر مشترك للجميع وهي سلعة غير متنافسة لا يستطيع أي شخص حرمان الآخر من استخدامها، وغير محتكرة لا يمكن منع الآخر من استخدامها، وغير مرفوضة لا يستطيع أي شخص أن يمنع عن الانتفاع بها حتى لو قرر ذلك. لـذا من الضروري أن تقسم “بعدالة” بين مختلف المستهلكين حتى وإن قلت. و هذا هو المبدأ الأساسي الذي يحكم إدارة المياه الرشيدة، الذي أكده ديننا الإسلامي الحنيف، فالعدالة في الإسلام هي إحدى دعائم الدين الأساسية ويشمل ذلك العدل في استخدام المياه والحصول عليها.

وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن توجيه حوكمة البيئة لا يتم فحسب من خلال تحديد المبادئ والالتزام بها، بل يلزم أيضاً العمل على تفعيل الصيغ Formulations الموضوعة لتنفيذ السياسات البيئية والتشريعية المؤسسية، إضافة إلى توضيح ماهية الأدوار للأطراف المعنية سواء الحكومة أو المجتمع المدني أو القطاع الخاص ومسؤوليات كل منهم فيما يتعلق بملكية الموارد الطبيعية وإدارتها وتقديم الخدمات.

وتزداد فاعلية حوكمة البيئة وأهميتها بإعتبارها وسيلة ناجحة لتحقيق التنمية المستدامة، ومن ثم فإن نجاح الحوكمة يُعد المقياس للقدرة على مواجهة التحديات المتمثلة في الأبعاد الثلاثة التالية:

· البعد الاجتماعي: الذي يرى ضرورة الاستخدام العادل للموارد الطبيعية للمنتفعين كافة حتى وإن كانت محدودة؛
· بعد الاقتصادي: الذي يركز على الاستخدام الكفء للموارد الطبيعية ودورها في النمو الاقتصادي؛
· البعد البيئي: الذي يؤكد دوماً تعزيز استدامة الموارد الطبيعية وسلامة الأنظمة البيئية؛

خلاصة القول إن حوكمة البيئة مسؤولية تضامنية تتطلب من جميع المنتفعين “الجهات الحكومية ـ المجتمع المدني ـ القطاع الخاص” العمل على سد فجوة الحوكمة الناتجة من ضعف الإدارة البيئية وعدم قدرة الأنظمة والتشريعات على الحد من الممارسات الخاطئة في التعامل مع البيئة حتى يمكن إعادة التوازن بين متطلبات التنمية والحفاظ على الموارد الطبيعية.

وإذا كان هناك اهتمام إقليمي وعالمي بحوكمة الكيانات الاقتصادية لتدعم النشاط الاقتصادي، فإن الضرورة تقتضي أيضاً النظر إلى حوكمة البيئة، باعتبار البيئة مؤثراً في القطاعات الاقتصادية كافة وقطاعات الخدمات، بل هي رافد أساسي لضمان استمرارية الحياة بجميع صورها. وهذا يتفق تماماً مع عولمة التفكير التي تنظر إلى الموارد الطبيعية وندرتها كونها مشكلة دولية تتخطى الحدود المحلية ومسؤولية مشتركة للدول كافة.

الحوكمة أداة لتحقيق التنمية المستدامة

أصبحت التنمية المستدامة تمثل البديل التنموي الأكثر منطقية وعدالة لحل مشاكل عدم المساواة والتباين التنموي مابين الدول النامية والمتقدمة، وأنماط التنمية المرتبطة بالتدهور البيئي، ومع تنمية الإدارة البيئية أصبحت هناك إمكانية استنباط مؤشرات تدل على وضع معظم القضايا البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي تعالجها التنمية المستدامة، والتي توفر تقييما لمدى تطور الإدارة الرشيدة.

ماهية التنمية المستدامة

يشكل مفهوم التنمية المستدامة في إطاره العام منهجا متكاملا لما يتميز به من ربط عضوي تام ومتكامل، فهو يجمع ما بين الاقتصاد والبيئة والمجتمع، بحيث لا يمكن النظر إلى أي من هذه المكونات الثلاثة بشكل منفصل، فالاقتصاديون يركزون على الأهداف الاقتصادية أكثر من غيرها كما يؤكد البيئيون على أهمية حماية الطبيعة ويشددالاجتماعيون على مبادئ العدالة الاجتماعية وتحسين نوعية الحياة، ولهذا تختلفتعريفات الاستدامة من اختلاف المنظور.

1. مفهوم التنمية المستدامة

يمكن تعريف التنمية المستدامة بأكثر من طريقة

أولاً: تعني التنمية المستدامة ضرورة استخدام الموارد الطبيعية المتجددة بطريقة لا تؤدي إلى فنائها أو تدهورها أو تؤدي إلى تناقص جدواها المتجددة بالنسبة للأجيال القادمة وذلك مع المحافظة على رصيد ثابت بطريقة فعالة أو غير متناقص من الموارد الطبيعية مثل: التربة و المياه الجوفية و الكتلة البيولوجية.

ثانياً: تعني التنمية المستدامة اقتصادياً الإدارة المثلى للموارد الطبيعية وذلك بالتركيز على الحصول على الحد الأقصى من منافع التنمية الاقتصادية، بشرط المحافظة على خدمات الموارد الطبيعية و نوعيتها.

ثالثاً: كما أنصبت تعريفات اقتصادية أخرى على الفكرة العريضة القائلة بأن «استخدام الموارد اليوم ألا يقلل من الدخل الحقيقي في المستقبل».

ويقف وراء هذا المفهوم الفكرة القائلة بأن القرارات الحالية ينبغي ألا تضر بإمكانيات المحافظة على المستويات المعيشية في المستقبل أو تحسينها، وهو ما يعني أن نظمنا الاقتصادية ينبغي أن تدار حيث نعيش على أرباح مواردنا ونحتفظ بقاعدة الأصول المادية و نحسنها.

· مكانة الإنسان ضمن التعاريف المقدمة بشأن التنمية المستدامة.

يشكل الإنسان محور التعاريف المقدمة بشأن التنمية المستدامة حيث تتضمن تنمية بشرية تؤدي إلى تحسين مستوى الرعاية الصحية، التعليم، والرفاه الاجتماعي.

· مكانة التكنولوجيا في تعريف التنمية المستدامة.

تشمل التنمية المستدامة كذلك التحول السريع في القاعدة التكنولوجية للحضارة الصناعية حيث يجب أن تكون هناك تكنولوجيا تقدر على إنقاذ الموارد الطبيعية، حتى يتسنى الحد من التلوث و المساعدة على تحقيق استقرار المناخ، و إستيعاب النمو في عدد السكان وفي النشاط الاقتصادي.

· مكانة الإنصاف في تعريف التنمية المستدامة.

العنصر الهام التي تشير إليه مختلف تعريفات التنمية المستدامة هو عنصر الإنصاف أو العدالة، فهناك نوعان من الإنصاف هما إنصاف الأجيال البشرية التي لم تؤخذ مصالحها في الاعتبار عن وضع التحليلات الاقتصادية ولا تراعي قوى السوق المتوحشة فهذه المصالح، أما الإنصاف الثاني فيتعلق بمن يعيشون اليوم و الذي لا يجدون فرصاً متساوية للحصول على الموارد الطبيعية أو على الخيرات الاقتصادية و الاجتماعية.

2. أبعاد التنمية المستدامة

من خلال التعريفات الاقتصادية للتنمية المستدامة يلاحظ أنها تتضمن أبعاداً متعددة تتداخل فيما بينها من شأن التركيز على معالجتها إحراز تقدم ملموس في تحقيق التنمية المستهدفة، ويمكن الإشارة هنا إلى أربعة أبعاد حاسمة و متفاعلة هي كل من الأبعاد الاقتصادية و البشرية و البيئية و التكنولوجية.

· الأبعاد الاقتصادية

و تتضمن عدة أبعاد منها:
– ضمان حق حصول الأفراد على الموارد الطبيعية.
– إيقاف تبديد الموارد.
– مدى مسؤولية البلدان المتقدمة عن التلوث البيئي و معالجته.

ومنه تقليص تبعية البلدان النامية، الانطلاق من نمط تنموي يقوم على الإعتماد على الذات لتنمية القدرات الذاتية و تأمين الاكتفاء الذاتي و بالتالي التوسع في التعامل الإقليمي، وفي التجارة فيما بين البلدان النامية، وتحقيق استثمارات ضخمة في الرأس المال البشري و التوسع و التفاوت في توزيع المداخيل.

· الأبعاد البشرية

– تثبيت النمو الديمغرافي: النمو السريع يحدث ضغوطاً حادة على الموارد الطبيعية و على قدرة الحكومات على توفير الخدمات، كما أن النمو السريع للسكان في بلد ما أو منطقة ما تحد من التنمية، ويقلص من قاعدة الموارد الطبيعية المتاحة لأعمال كل ساكن؛
– أهمية توزيع السكان: فإن التنمية المستدامة تعنى النهوض بالتنمية القروية النشيطة كالمساعدة على إبطاء حركة الهجرة إلى المدن وتعني اتخاذ تدابير سياسية خاصة من قبيل اعتماد الإصلاح الزراعي واعتماد تكنولوجيات تؤدي إلى التقليص إلى الحد الأدنى من الآثار البيئية للتحضر؛
– الاستخدام الكامل للمواد البشرية: كما تنطوي التنمية المستدامة على استخـدام المـوارد البشرية استخداماً كاملاً، وذلك بتحسين التعليم والخدمات الصحية و محاربة الجوع، ومن المهم بصورة خاصة أن تصل الخدمات الأساسية إلى الذين يعيشون في فقر مطلق أو في المناطق النائية.
– الصحة و التعليم.

· الأبعاد البيئية

– إتلاف التربة واستعمال المبيدات، تدمير الغطاء النباتي والمصايد: الأفراد في استخدام الأسمدة و مبيدات الحشرات يؤدي إلى تلويث المياه السطحية و المياه الجوفية، أما الضغوط البشرية و الحيوانية فإنها تضر بالغطاء النباتي والغابات أو تدميرها وهناك مصايد كثيرة للأسماك في المياه العذبة أو المياه البحرية تجري استغلالها فعلاً بمستويات غير مستدامة؛
– حماية الموارد الطبيعية: ابتدءاً من حماية التربة إلى حماية الأراضي المخصصة للأشجار وإلى حماية مصايد الأسماك مع التوسع في الإنتاج لتلبية احتياجات الآخرين في التزايد؛
– صيانة المياه: التنمية المستدامة تعني صيانة المياه بوضع حد للاستخدامات المبددة و تحسين كفاءة شبكات المياه، وهي تعني أيضاً تحسين نوعية المياه و قصر المسحوبات من المياه السطحية على معدل لا تحدث اضطراباَ في النظم الايكولوجية التي تعتمد على هذه المياه و قصر المسحوبات من المياه الجوفية على معدل تحددها؛
– تقليص ملاجئ الأنواع البيولوجية؛
– حماية المناخ من الاحتباس الحراري.

· الأبعاد التكنولوجية

– استعمال تكنولوجيات أنظف في المرافق الصناعية: وتعني التنمية المستدامة هذا التحول إلى تكنولوجيات أنظف و أكفأ و تقليص من استهلاك الطاقة و غيرها من الموارد الطبيعية إلى أدنى حد.
– الأخذ بالتكنولوجيات المحسنة: بالنصوص القانونية الخاصة بفرض العقوبات في هذا المجال و تطبيقها؛
– المحروقات و الاحتباس الحراري: والاحتباس الحراري الذي يهدد المناخ بتغير المناخ و المستويات الحالية لانبعاث الغازات الحرارية من أنشطة البشر تتجاوز قدرة الأرض على امتصاصها؛
– الحد من انبعاث الغازات؛
– الحيلولة دون تدهور طبقة الاوزون: و التنمية المستدامة تعني أيضاً الحيلولة دون تدهور طبقة الأزون الحامية للأرض.

نرشح لك.. الدكتور أحمد الشعراوي: «الحوكمة» أيقونة هيكلية لتحقيق التطوير والتنمية

الدكتور أحمد الشعراوي

الدكتور أحمد الشعراوي

خبير جودة التخطيط الاستراتيجي والتميز المؤسسي
الأمين العام المساعد للاتحاد العربي للتطوير والتنمية – مجلس الوحدة الاقتصادية العربية – جامعة الدول العربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
البنك الأهلى المصرى