أسواق المالرئيسىمقالاتملفات وتقارير

محمد مهدي يكتب: «ميدان السيبرانية»

في مطلع أبريل 2001 اعترضت مقاتلتان صينيتان طائرة استطلاع تابعة للبحرية الأمريكية فوق جزيرة هاينان الصينية قرب بحر الجنوب، أسفرت تلك الحادثة عن أزمة دبلوماسية واسعة بين واشنطن و بكين، واتهامات بالتجسس ومصرع طيار صيني بعد تدمير مقاتلته و استسلام 24 فرد طاقم الطائرة العسكرية الأمريكية التي فككت الصين أجزائها و نقلتها أول يوليو من نفس العام في صناديق لا تزيد مساحة إحدها عن متر واحد على متن طائرة شحن روسية عملاقة إلى الولايات المتحدة.

هكذا افتتحت قوى العالم الثلاث الألفية الثالثة بمشهد درامي يخفي تحت سطحه كثير من ردود الأفعال غير العادية، ففي خضم هذا كله شهدت الفترة من 30 أبريل حتى 7 مايو 2001 تعرض 1200 موقع اليكتروني أمريكي متنوع الأهمية لهجمات سيبرانية شرسة من قبل قراصنة صينين و روس، في رد غير رسمي على حادثة هاينان.

ميدان الحرب السيبرانية

طالت تلك الهجمات وقتها بيانات مواقع البيت الأبيض و وزارت الدفاع و الخارجية و الطاقة، بالإضافة لمعلومات ثمينة جراء اختراق موقع شركة لوكهيد مارتن المطورة لطائرة F35 الأمريكية، والتى وظفتها الصين بعد ذلك فى تصنيع مقاتلتها T20 وباعت جزءًا من أسرارها لجارتها الحليفة روسيا.

وعلى مدار ربع قرن من قبل حادثة هاينان إلى ما بعد هجمات سيبرانية مستمرة حتى اليوم على مواقع حكومية في أوكرانيا، تتفاعل السياسة الدولية بجوانبها الأمنية و العسكرية و الاقتصادية مع ميدان حرب غني جدًا و مبتكر للغاية و مختلف تمامًا عن الميادين التقليدية المتعارف عليها « الأرض والجو والبحر والفضاء والإعلام».

7 تريلون دولار تكلفة الهجمات السيبرانية

هذا هو الميدان السيبراني اللامركزي العابر لقوانين الطبيعة و البشر، ميدان إنتاج عصره الرقمي؛ يحيط بكل مفردات العالم الحديث إحاطة السوار بالمعصم، ليحل كثالث أكبر اقتصاد عالمي بحساب تكاليف الهجمات السيبرانية التى تصل إلى 7 تريليون دولار فى 2022 و تتعدى حاجز 10.5 تريليون دولار بحلول 2025 وفقًا لتقرير المخاطر العالمية الصادر عن منتدى دافوس 2020 .

ماذا لو خرجت السيبرانية عن السيطرة ؟

خلف تلك التقديرات التريليونية المختصرة ومضاعفاتها المحتملة بقوة تقبع تفاصيل مقلقة للغاية عن مستقبل الأمن الدولي و توازن القوى والحروب والاقتصاد فى العالم لو خرجت السيبرانية عن السيطرة، نرصد بعضها كما يلي:

أولاً: تعمل محركات السياسة في أغلب دول العالم على تعظيم قواها المادية الصلبة وجوديًا و عسكريًا و اقتصاديًا، غير أن القوة السيبرانية «الناعمة ظاهريا واللامادية واقعيًا» وجدت مساحات واسعة مشتركة بين الثلاث عبر استخدام شبكات الانترنت لجمع كافة المعلومات وتحليل أهم البيانات وإعادة توجيه وتطويع وتسعير القوى التقليدية لتتحول السيبرانية في ظل تنفس العالم للتكنولوجيا من قوة في الفضاء العام إلى أفعال على الأرض في متناول عقول و أيادي فاعلين متنوعين دول وجماعات وأفراد وأجهزة ذاتية التحكم أيضًا.

الأفعال السيبرانية تتدرج على 4 مستويات

ثانياً: تتدرج الأفعال السيبرانية على أربع مستويات أولها تلك الإجراءات التنظيمية العادية التي تقوم بها السلطات المحلية للتحكم في الانترنت بتحديد نطاقاته و ترتيب أسماء مواقعه و تسيير أعمال إدارات الدولة و تعميم خططها من خلاله، و كذلك حجب المواقع و المقاطع المخالفة لتوجهاتها و إبطاء سرعة الإنترنت و قطعه جزئيًا أو كليًا حسب ضرورة الأحداث .

ثانيها مناوشات القرصنة المتبادلة داخليًا و خارجيًا، و هنا تتنوع أدواتها «عبر أي شىء متصل بالانترنت»، و تتعدد أطرافها لتشمل أفراد و جماعات و شركات من نفس الدولة لحماية أهداف داخلية من اختراق محتمل أو العمل على اختراقها أيضًا حسب مصالح الفاعلين التى قد تتسع إلى مجموعات من دول مختلفة .

ثالثها مستوى الهجمات السيبرانية و هو الفعل الأوسع عالميًا و المستمر طرديًا مع نمو التقنيات الرقمية و تشابك المصالح و النزاعات الدولية، الأمر الذي استدعى دول حلف شمال الاطلنطى «ناتو» إلى اعتماد سياسة رسمية للدفاع السيبرانى مطلع 2008، و تدشين البنتاجون لقيادة عسكرية سيبرانية منتصف 2009 و كذلك عقد اتفاق خاص في 2015 بين واشنطن و بكين يقضى بعدم شن أي هجمة سيبرانية على البنية التحتية و القطاع الخاص لهما في حالات السلم و التعاون.

الأمن السيبراني

وأيضاً اتفاق دول الاتحاد الأوروبي على تفعيل الدفاع المشترك ضد أي تهديد يمس أمنها السيبراني عام 2018، إلا أن قبل ذلك كله وبعد تصاعدت تلك الهجمات وتركت المعلنة منها أثارًا على الواقع.

ومنها على سبيل المثال.. اتهامات موجهة للصين بشن هجمات سيبرانية عبر 13 دولة على أهداف تجارية و مدنية و عسكرية أمريكية منذ عام 2006 حتى نهاية 2021 عبر «وحدة رقم 61398» التابعة للجيش الصيني. كان أبرزها استهداف بيانات 72 شركة عاملة مع القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط 2008، وشلل تام للخدمات الحكومية في مدينة نيو اولينز الأمريكية بعد قرصنة نحو 4000 جهاز اليكتروني نهاية عام 2019.

الهجمات السيبرانية

اتهامات لروسيا بشن هجمات سيبرانية على استونيا 2007 و جورجيا 2008 ، شبه جزيرة القرم أوكرانيا 2014 ، الانتخابات الامريكية 2016، محطات الوقود فى أوكرانيا 2017، بنوك أوروبية 2018، وكالة ناسا 2019، أذربيجان 2020، محطات الطاقة الأمريكية 2021، مواقع حكومية أوكرانية آخرها منتصف فبراير الجارى و التي وصفت بأنها اشرس هجمات سيبرانية تتعرض لها البلاد على حد وصف رئيس الوزراء الاوكراني.

اتهامات للولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل بشن هجمات سيبرانية على إيران منذ 2006 حتى نهاية 2021 أبرزها دودة ستاكس نت الفيروسية التى أصابت محطة تخصيب اليورانيوم في مدينة ناتانز بإيران 2010 و عطلت ألفين من أجهزة الطرد المركزي، و كذلك قرصنة بيانات محطات الوقود بطهران 2018 و ناقلات النفط الإيرانية 2019 و البنية التحتية المعلوماتية داخل البلاد و قواعدها العسكرية خارجيًا خلال 2021.

الحرب السيبرانية

رابعها الحرب السيبرانية و هو المستوى الأخطر على الاطلاق تتم فيه التحكم و السيطرة عن بعد على أنظمة التشغيل المدنية و العسكرية مثل « اقمار صناعية و محطاتها الأرضية، معدات عسكرية و منشآت نووية و تجارية، محطات الوقود، شبكات الموصلات و الاتصالات، طائرات بدون طيار، سيارات ذاتية القيادة، أجهزة انترنت الأشياء، اختراق و تلاعب بخوارزميات أسواق المال و بقواعد البيانات الاقتصادية و العسكرية، إتلاف خرائط الملاحة و سلاسل التوريد».

فماذا لو طالت الهجمات السيبرانية خمسة فقط من عناصر القائمة السابقة و أحدثت بها شلل كلي و تخريب تام في خضم صراع دولى كبير ؟!!..

الدفاع السيبراني

الإجابة المقتضبة جاءت نهاية 2020 في حسم المواجهة حول إقليم كرباخ بين أرمينيا و أذربيجان لصالح الأخيرة بفضل التقنية الرقمية لطائرة هاروب الإسرائيلية ذاتية القيادة متسكعة الذخيرة التى تبحث عن أحدث أنظمة الدفاع الجوي و التجمعات العسكرية و تدمرها بالاصطدام الكامل دون الحاجة لجندي واحد حسب تقرير الدفاع السيبرانى 2021 عن مركز الدراسات الاستراتيجية و الدولية، و قد تأتينا إجابات جديدة أهم بأحداث مفاجئة أكثر إثارة و تأثيرًا من زخم الحشد الدولي المتصاعد بين روسيا و الغرب حول اوكرانيا 2022.

إقرأ المزيد عن الأمن السيبراني

خبير أسواق مال عالمية
محمد مهدي عبدالنبي – خبير أسواق مال عالمية

محمد مهدي: عدة عوامل وراء ارتفاع العملات المشفرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
البنك الأهلى المصرى