الأخباربنوكرئيسى

هل سقط النظام الرأسمالي الأمريكي القديم بسبب “كورونا”؟

كتب مجدي درباله:

تبذل الدول الأوروبية جهوداً متسارعة من أجل الحفاظ على وظائف مواطنيها خلال أزمة فيروس كورونا، لكن للأسف، فإن الولايات المتحدة ترسم مسارا مختلفا للعمال الأمريكيين، وحسب بيان نشرتة وزارة العمل الأمريكية نهاية الأسبوع الماضي ، تقدم أكثر من ثلاثة ملايين أمريكي بطلب للحصول على إعانات البطالة خلال أسبوع، وسط إجراءات إغلاق اقتصادي غير مسبوقة بسبب تفشي فيروس كورونا، وهو معدل أعلى بكثير من أي أسبوع سابق في التاريخ الحديث للولايات المتحدة، وقوبل بهدوء وتماسك مدهش من قبل القيادات السياسية في البلاد، وكان أعلى مستوى سابق هو 695 ألاف طلب في أكتوبر 1982.

ويتزامن ذلك مع غلق جميع أماكن العمل فيما عدا ذات الضرورة القصوى منها في البلاد وإصدار الأوامر لملايين الأشخاص بالبقاء في المنزل.

ونقلاً عن تحليل مقتبس من جريدة نيويورك تايمز، فإن الولايات المتتحدة تعتبر أن البطالة الجماعية أحد المشكلات المؤسفة التي لا مفر منها نتيجة انتشار فيروس كورونا المستجد ” كوفيد – 19″ ، وقد أعلن الرئيس الامريكي ترامب يوم الخميس الماضي “أنه ليس خطأ أحد، وبالتأكيد ليس في هذا البلد”، كما أن التحرك المبدئي من قبل الحكومة الفيدرالية جاء على هيئة مشروع قانون – وافق عليه مجلس الشيوخ في وقت متأخر من ليلة الأربعاء – من شأنه أن يقدم مساعدات نقدية أكبر لمن فقدوا وظائفهم.

كما قال وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، الخميس، إن إدارة الرئيس دونالد ترامب حشدت موارد حكومية غير مسبوقة للاستجابة لفيروس كورونا المستجد، في الداخل والخارج، موضحاً في تغريدة عبر حسابه بموقع “تويتر”: “سعدني اليوم أن أعلن أن الولايات المتحدة وفرت ما يقرب من 274 مليون دولار أمريكي لتمويل الطوارئ الصحية والتمويل الإنساني”.

وقال محافظ البنك المركزي الأمريكي في حوار مع صحيفة “نيويوك تايمز” ، إن  الانهيار المفاجئ لمعدلات التوظيف كان يمكن تفاديه، بل إنه فشل فادح للسياسة العامة حيث تسبب في إلحاق ضرر فوري بحياة الملايين من الأمريكيين، ومن المحتمل أن يترك أثرا دائماً على مستقبلهم، والاقتصاد والمجتمع الأمريكي، كما سيزداد التأثير السلبي بشكل حاد بين الطبقات الأقل ثراءً في المجتمع، التي تكافح بالفعل من قبل أزمة “فيروس كورونا” وحتى بعد مرور عقد من النمو الاقتصادي الثابت ولكن غير المتكافئ.

وكانت أول وأفضل فرصة للحكومة الفيدرالية لمنع حدوث موجة من البطالة الجماعية هي محاولة إبقاء “فيروس كورونا المستجد” تحت السيطرة من خلال وضع نظام للتحليل والكشف عن الإصابات وفرض إجراءات الحجر الصحي مثل تلك التي نفذتها عدد من الدول الآسيوية. ولكن حتى بعد أن أصبح واضحًا أن إدارة ترامب فشلت في الاستعداد للوباء، كان لا يزال بإمكان صانعي السياسات اللجوء إلى تحديد أولويات التوظيف من خلال الدعم المادي للشركات من أجل الإبقاء على العمال خلال فترة الإغلاق.

وأضاف محافظ البنك المركزي الأمريكية أن عدد من الدول الأوروبية لجأت بعد فشلها في السيطرة على انتشار الفيروس واضطرارها إلى إغلاق قطاعات كبيرة من اقتصاداتها إلي تعويض أصحاب العمل ، حيث وافقت الدنمارك على تعويض أصحاب العمل الدنماركيين بما يصل إلى 90% من رواتب العاملين لديهم، وفي هولندا، يمكن للشركات التي تواجه خسارة لا تقل عن 20% من إيراداتها أن تتقدم إلى الحكومة لتحصل على دعم قيمته 90% من تكلفة المرتبات لديها، كما أعلنت المملكة المتحدة أنها ستدفع ما يصل إلى 80% من تكلفة الأجور لأكبر عدد ممكن من الشركات التي تحتاج إلى المساعدة، مع عدم وجود حد أقصى لمبلغ الإنفاق العام.

بعض البلدان تدفع لأصحاب العمل أجور العمال الذين لا يعملون، وبموجب نظام “كورزاربيت” الألماني، تقدم الحكومة مساهمات حتى للعاملين بدوام جزئي، وتتوقع الحكومة الألمانية أن يستفيد 2.3 مليون عامل من هذا النظام خلال الأزمة، وفي كل الحالات، فإن الهدف دائما ما يكون الابقاء على وظائف المواطنين من أجل الحفاظ على النسيج الاقتصادي القديم إلى أقصى حد ممكن، لصالح العمال والشركات.

وقال وزير العمل الدنماركي بيتر هاميلجارد لصحيفة ذي أتلانتك “ما نحاول القيام به هو تجميد الاقتصاد، إن الأمر يتعلق بالحفاظ على قطاعات الأعمال بقدر ما نستطيع”، مشيراً إلي أن الحفاظ على الوظائف مهم لأن الوظيفة لا تتعلق فقط بالمال فهي تدعم الإحساس بالاستقلالية والهوية والهدف، ولا يحل “شيك” البطالة محل أي من هذه الأشياء، حيث أن الأشخاص الذين يفقدون وظائفهم يخسرون أيضًا مزاياهم.

أما في الولايات المتحدة فأن الأشخاص الذين يفقدون وظائفهم يخسرون تأمينهم الصحي، وهناك مجموعة كبيرة من الأبحاث حول حالات الانكماش الاقتصادي، أثبتت أن الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم، حتى لو وجدوا وظائف جديدة، غالبا ما يعانون من ضرر دائم لمستويات دخلهم وصحتهم وحتى توقعاتهم لأطفالهم، وكلما طال الوقت للعثور على وظيفة جديدة، كلما كان الضرر أعمق.

وقد كافحت الشركات الأمريكية منذ فترة طويلة لزيادة مساحة حريتها في التخلص من العمالة لديها خلال فترات الركود الاقتصادي، ويميل الاقتصاديون الأمريكيون إلى الموافقة على هذا المبدأ، بحجة أن هذا يسهل إجراء تعديلات في تخصيص الموارد، مما يسمح للشركات الأضعف بالانكماش وللشركات الأقوى بالنمو، وهو ما يعد أمراً مثيرا للجدل حتى في الأوقات العادية.

وتفوق الاقتصاد الأمريكي على جميع الدول الأوروبية، وقد تكون القدرة على طرد العمال عاملاً جيدًا، لكن الفوائد تعود في المقام الأول إلى مساهمي الشركات، بينما النموذج الأوروبي يعد أفضل بالنسبة للعمال حيث شهدوا نمواً أسرع في الدخل أكثر من نظرائهم في الولايات المتحدة، وما يحدث ليس مثالًا على “التدمير الخلاق” الذي تشهده السوق بشكل دوري إلى حد ما، حيث يميل أولئك الذين يتبنون هذه النظرية إلى الاحتفاء به ، بل إنها أزمة صحية عامة، فقد مرضت الأمة وهي بحاجة إلى الراحة لبعض الوقت، ولكن لا يوجد سبب واضح للاعتقاد بأن الاقتصاد سيستفيد من أنواع التحولات الاقتصادية الكبيرة التي تقود إليها موجات البطالة الجماعية، فلم يكن هذا الانكماش الاقتصادي ناتجًا عن زيادة بناء مساكن أو مضاربات في وول ستريت ولكنه نتج عن انتشار لفيروس، كما يمكن أن يساعد الحفاظ على العلاقات بين الشركات والعمال على تسريع الانتعاش الاقتصادي بمجرد انتهاء الأزمة، و يمكن للشركات الاحتفاظ بالموظفين المدربين وذوي الخبرة، لتجنب مشقة بحث العاملين عن وظائف والشركات البحث عن عاملين.

والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية بذلك بعض الجهود للحفاظ على الوظائف، وخاصة بالنسبة للشركات الصغيرة، حيث تتضمن حزمة المساعدات التي تم إقرارها 367 مليار دولار قروضاً مقدمة للشركات الصغيرة إذا لم تقم بخفض أعداد الموظفين أو تخفيض الأجور، ولكن هذا يعتبر أقل من ثلث المبلغ الذي يقدر الخبراء أنه سيكون مطلوبًا لتقديم دعم شامل للشركات الصغيرة، كما أن قانون المساعدات الذي تم إقراره لايلزم الشركات الكبيرة التي تحصل على مساعدات بالقيام بجهود مماثلة، حيث وافقت الحكومة على منح العمال الذين فقدوا وظائفهم 600 دولار إضافية في الأسبوع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
البنك الأهلى المصرى