أهلاويعالم الرياضةمقالات

الأولتراس.. وأد المستقبل

بقلم :محمد طعيمة

“عشوائية الضبط والقضية”، هكذا أوجزت محكمة جنح مستأنف أحداث القاهرة، الأربعاء الماضي، أسباب حكمها “النهائي” ببراءة متهمي قضية “الوايت نايتس”.

أولتراس الزمالك، إنضممت له يوم اعتبرت محكمة غير مختصة، 16 مايو الماضي، “كل” تجمعات المُشجعين منظمات إرهابية. قبلها عايشت أجواء مئوية الزمالك، نوفمبر 2011، وبُهرت بتناغمهم. ومن بعيد تابعت، لسنوات، كيف يتعاملون كـ”أخوة”، وتحملت، فخورا بإبني.. صبري وعمر، 16 عاماً… أصغر أعضاء “سِكشن القناطر الخيرية”، مشاركتهما في فعاليات، ودعم، عائلتهم الثانية، 150 ألف “أخ”. للصغار منهم أجواء الفرحة، و”المواجهات” للأكبر.

تقول حيثيات مستأنف أحداث القاهرة: “القضية خلت من الأدلة والبراهين (…) ومن أي شاهد إثبات”.. و”لم تُضبط أي أدوات أو أسلحة، وثبت على لسان مُجرى التحريات ضبط 38 أخرين، وصرفهم الأمن الوطني بعد فحصهم”.. و”لم يُقدم دليل على الدعوى المزعومة على صفحة التراس زملكاوي، كما أن جنح الساحل برأت 26 متهمًا فيها، 30 أكتوبر 2014.” هكذا، كافة القضايا التي طاردت الأولتراس.

المفردة تعني باللاتينية: الفائق. عرفت المجر أولى تجلياتها، 1929، وتبلورت في البرازيل، بداية الأربعينيات، ثم يوغسلافيا، 1950. عربيا، قمع القذافي أولى إرهاصاتها بداية التسعينيات، ثم عرفتها تونس والجزائر وتألقت بالمغرب. ودشن “فائقو الوايت” تنظيماتها المصرية، مارس 2007، وبعده بشهر “أهلاوي”… و”ديفلز أهلاوي”، ثم “يللو دراجونز”.. الإسماعيلي، و”الجرين ماجيك”.. السكندري، 2008، و”الجرين إيجلز” و”مصراوي”.. البورسعيدي، 2009، وتتابعت حبات عنقود البهجة.

يتحفظ نشطاء الأولتراس، الآن، على أعدادهم، لكن صفحاتهم على فيسبوك تؤشر لمليونين ونصف المليون عضو ومتعاطف. وما يُسرب يتجاوز، في الناديين الأكبر، أضعاف عضوية الإخوان الفاعلة، التي قال محمد حبيب، نائب المرشد الأسبق، انها 35 ألفاً. كدلالة على حجم “الوايت”، جمعه، من خمسات وعشرات وعشرينات، 50 ألف جنيه كفالات، خلال ساعات.

لم تعرف مصر تنظيمات متماسكة، في أي سياق، سوى “الفائقون”… والإخوان. الأول هدفه البهجة، والأخر.. الدم. لكن الأنظمة المتعاقبة قهرت المتشوقين للفرحة. طالت الإتهامات شباباً، بحكم الطبيعة… متمرداً، بينما “سكونه” هو المُقلق. أكثرها تهافتا: “الإخوان اخترقتهم”. من لم يُخترق؟ لم يفكر المهاجمون في مصير هؤلاء بدون الأولتراس؟… إلى الإخوان أم ماذا؟ فلا توجد منظومة، حكومية أو هلية، تستوعب طاقة مستقبلنا الهادرة.

تقدموا صفوف موجتي الثورة، خارج السياسة، خاصة 25 يناير، فهم الأكثر خبرة بمواجهة بطش شرطة حسني مبارك. وعبقت دماؤهم فضاء الثورة، من حسين طه “الأسكندرية” ومكوه “السويس”، شهيدا جمعة الغضب، إلى باقة ورود “الدفاع الجوي”. رأيت منتقبات يهتفن خلفهم في التحرير، وعجوز “كلاس”، تردد ورائهم، أمام إتحادية الإخوان، هتافات ستراها ذات السيدة، في سياق أخر، شتائم مُخجلة، وحين عبرت عن دهشتي باسما، أجابتني: وماله، دول وِلادنا.

وِلادنا، من أجل أمثالهم، طرح د. مصطفى حجازي، المستشار السياسي للرئيس السابق عدلي منصور، مشروعا لدمجهم في الفضاء العام، لا تدجينهم، لكنه أُبعد لصالح هيمنة أجهزة الدولة على المجال العام. أجهزة، لم تدرس الظاهرة… حجمها، فرص تكثيف إيجابياتها وتحجيم سلبياتها، نوعية عناصرها، من هم مستقبلاً؟ مُكتفية بالعصا. أجهزة، لم تهتم بتداعيات الدفاع الجوي على علاقتهم بوطنهم، وبجيشهم. فإذا كانت مجزرة بورسعيد مُحاطة بالألغاز، فمذبحة “الدفاع” مُصورة.

إنكسر الحلم بغد أفضل، تجاهل نشطاء الوايت بطولة حلموا بها عشر سنوات، وحلت “ديفلز”، أبدع أولتراسي الأهلي، نفسها. أصبحت الهجرة هاجس الجميع، شُرخت روح كِريمة مستقبلنا.

عقب الدفاع الجوي، تحدث الصحفي البارز بقسوة عنهم، رن تليفونه فقطع كلامه وتحرك ليرد، فاجئنا ابنه بنظرة مُناقضة. فهمنا، بعفوية، إشكالية علاقة الدولة بـ”ولادها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
البنك الأهلى المصرى