الأسواق العربية

حرب سقطرى الإعلامية

طوال السنوات الثلاث المنقضية نتابع حملات مكثفة تركز على جزيرة سقطرى اليمنية وأكبر جزيرة عربية في المحيط الهندي.

حملات فحواها أن هناك جزيرة يمنية جميلة اسمها «سقطرى» كانت حتى العام 2016 تعيش كل أنواع الازدهار وتسابق جزر الكاريبي في الاستقرار والتنمية ومعدلات دخل الفرد، حتى جاء التحالف العربي ليمحو كل ذلك ويعيد الجزيرة مليون سنة إلى الوراء، فما هي الحقيقة يا ترى؟

سقطرى جزيرة ذات موقع استراتيجي ليس فقط لليمن بل للمنطقة وبشكل خاص للدول المرتبطة بالبحر الأحمر والممرات المؤدية إليه ومنها، وعلى رأسها مصر، بما تشكله تلك الممرات من أهمية قصوى ومصيرية لها.

ومما لا شك فيه أن لكل الحروب تداعياتها الجيوسياسية على الأطراف المتحاربة وعلى القوى الإقليمية، ولأن سقطرى تقع في محيط ممرات مائية تهم بشكل كبير مصر وأمنها القومي.

فقد قررت البحث في الأمر بشكل معمق والتواصل مع مختصين وقريبين من الأحداث التي نتناولها في مقالنا هذا، في سبيل معرفة الحقيقة أولا ومعرفة أهداف الجهات والدول التي تقف وراء تلك الحملات.

حتى أن كثيرين أصبحوا يتخيلون بفعل تلك الحملات المتكررة أن هناك حربا أو حروبا تجري بالفعل في سقطرى، وذلك بفعل الضخ الإعلامي المهول لاسيما في الأعوام الثلاثة الأخيرة.

فما هو واقع الحال الحقيقي في سقطرى؟

يعلم كل متتبع أو حتى متابع بسيط أن أرخبيل سقطرى كان طوال الفترة التي سبقت العام 2016 خارج سياق التاريخ، بكل ما تحمله العبارة من معنى.

ويكفي لإثبات ذلك القول إن غالبية أهل الجزيرة كانوا حتى وقت قريب يسكنون الكهوف وقليلون جدا منهم من يمكلون بيوتا متواضعة وصغيرة ومتفرقة، ولم تكن في الجزيرة طرقات ولا مستشفيات مع عدد قليل من المدارس المتهالكة.

علماً أن سقطرى في موقع يتعرض لعواصف موسمية شديدة تستمر أشهراً وكثيراً ما تضربها أعاصير مدمرة كما حدث في 2015 مع إعصار تشابالا الذي دمر معظم ما في الجزيرة، لكنه أسهم – كما قال لي أحد أبناء الجزيرة – بلفت أنظار العالم إليها وخصوصا التحالف العربي وبشكل خاص دولة الإمارات التي سارعت لتقديم كل أنواع الدعم والعون هناك.

في ذلك الوقت ومنذ سقوط اليمن في مهاوي «الربيع الإخواني» عام 2011 كانت سقطرى تقبع تحت حكم وسيطرة حزب الإصلاح الذراع اليمني لتنظيم الإخوان المسلمين، وتحولت الجزيرة ومحيطها في ظل تلك السيطرة إلى مرتع لعصابات تهريب الأسلحة والممنوعات.

ومركزاً لأنشطة مشبوهة للتنظيم الدولي للإخوان والدول التي يتبعها ومنها تركيا التي كان واضحاً مطمعها في ذلك الموقع الحيوي لخنق العالم العربي وخصوصاً مصر والسعودية عن طريق التحكم بالممرات المائية الدولية، في ظل تواجد أنقرة المشبوه في الصومال القريبة جدا من سقطرى.

واقع جعل التحالف العربي يولي أهمية بالغة للأمر، وضمن عمليات التحالف وانتشاره بموجب التفويض من مجلس الأمن ومن الحكومة اليمنية الشرعية، أُوكلت مهمة تأمين الجزيرة ومحيطها للقوات الإماراتية التي وصلت إلى هناك عام 2016 ومكثت نحو 3 سنوات قبل أن تغادر عسكرياً في 2019م

وكان وصولها بعد أشهر من إعصارين مدمرين ضرباً الجزيرة المعزولة تماماً عن اليمن والعالم منذ سقوط الحكم المركزي في صنعاء بأيدي ميليشيا الحوثي.

لكن الإمارات، وإزاء وضع الجزيرة لم ترسل قواتها العسكرية فحسب، بل حشدت بالتزامن أذرعها الإنسانية، لتبدأ منذ ذلك الحين أكبر عملية تنمية شاملة تشهدها سقطرى في تاريخها، في جميع النواحي، ويكفي بحث سريع على محركات البحث في شبكة الإنترنت ليعرف المرء ماذا تحقق هناك منذ ذلك التاريخ والمشهد الذي غير الجزيرة وحياة أهلها وهو أمر لمسناه في الحديث مع عدد من مشائخ وأعيان سقطرى والتواصل معهم ومع مواطنين من أهل الجزيرة.

جزيرة سقطرى اليمنية

قبل أعوام قليلة انتفض أهالي الجزيرة على حكم الإخوان بفعل تداعيات متراكمة حيث كانت الجزيرة ولا تزال أحد معاقل الحراك الجنوبي المطالب باستقلال الجنوب منذ عقود، وعودة دولته المستقلة قبل الوحدة اليت سلقت على عجل مع اليمن الشمالي مطلع التسعينيات، وفشلت وتنتج عددا من الحروب بين الشمال والحنوب.

وهو ما أكسب أهل سقطرى والجنوبيين عموماً عداءً واضحا مع تنظيم الإخوان وذراعه حزب الإصلاح، وما إن ضعف التنظيم نوع ما وهرب قادته إلى خارج البلاد حتى فرض أهالي سقطرى إرادتهم كما حدث في باقي مناطق الجنوب ومنها عاصمته عدن بعد تحريرها من الحوثيين، لكنه حدث في سقطرى بشكل سلمي.

وقد أدرك المحافظ الإخواني آن ذاك الواقع الشعبي، فهرب مسرعاً مع حاشيته وقادة الحزب والتنظيم الإخواني، مجرد خروج التظاهرات لإدراكهم أن وجودهم غير مرغوب به شعبياً.

هنا جُنّ جنون التنظيم الدولي للإخوان والدول التي ترعاه، وشكلت خسارة سقطرى صفعة قوية لما يوصف بمحور الشر الإخواني ورعاته

ورغم أن ذلك كان خياراً محضا لأهلها، فقد رد التنظيم المتطرف ومن ورائه دول إقليمية معروفة بشن الحملات الإعلامية الكبرى والتي استهدفت تشويه كل ما في سقطرى وكل الجهود المبذولة هناك ودول التحالف ودورها بشكل انتقامي.

هُدف أيضا لحرمان أهل سقطرى من مسيرة التنمية التي بدأت فيها، وفي محاولة أيضاً لجر سقطرى إلى مربعات الصراع والحرب التي بقيت بمنأى عنها بفضل وجود التحالف، وكل ذلك في سياق انتقامي بحت.

لكن الإرادة الشعبية انتصرت وها هي «سقطرى» تنعم باستقرار كبير وتناغم حياتي تحسد عليه، وعمليات تنمية غير مسبوقة وهي أمور لم ترق بالطبع لتنظيم الإخوان وفرعه حزب الإصلاح.

وتعرفون بقية قصة التي ينطبق عليها القول (إذا خاصم فجر) أو بالأحرى إذا خسر فجر، وهذا ما ينطبق على تنظيم الإخوان ورعاته وهو أمر خبرناه وعشناه واقعا في مصر ولا نزال من حقد ذلك التنظيم والدول التي تتبناه، فالحرب الإعلامية التي تستهدف «سقطرى» مصدرها ذات المطابخ التي تخرج منها الحملات المعادية لمصر وأمنها واستقراها.

تلك سقطرى وقصتها، في مرمى مطامع أعداء الأمة وأعداء السلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
البنك الأهلى المصرى