اقتصاد وأسواقمقالات

د. عبدالعاطي لاشين يكتب لـ«عالم البيزنس»: عنق الزجاجة الاقتصادي

ليس جديداً أن الاقتصاد المصري يعاني مجموعة من الظواهر المتكررة مثل ارتفاع معدل التضخم لمستويات عالية بالمقارنة بفترات أخرى تاريخية، وهى بالرغم من أنها أقل من معدلات تضخم في بلدان أخرى منها فنزويلا وتركيا والأرجنتين، حيث تعدى المعدل في الأولى 250% في يونية 2023 ووصل الى اكثر من 70% في البلدين الأخيرتين، إلا أن الحساسية الجيوسياسية لمصر انعكس بخلاف عوامل أخرى (منها التخبط وقلة الحيلة) على آداؤها الاقتصادي.

التضخم المستورد

اهم ما تعانى منه مصر ما يسمى بالتضخم المستورد، حيث ان هناك فجوة في ميزان المدفوعات ومع زيادة الدين الخارجي وزيادة حجم خدمة هذا الدين لأسباب عديدة، والسياسات النقدية والمالية والاقتصادية غير الملاءمة، أدت جميعا لتذبذب حاد في سعر صرف الجنيه المصري امام عملات العالم، نضيف الغموض الذى ساد خلال الفترة الأخيرة أدى الى قيام بعض المضاربين بافتراض أسوأ السيناريوهات و العمل عليها.

وذلك وصل بسعر صرف الجنيه المصري امام الدولار الأمريكي على سبيل المثال الى ما فوق الـ70 جنيه للدولار الواحد، وبناء عليه قامت شركات عديدة تقوم باستيراد مكوناتها من الخارج بالتعامل على هذا الأساس، و تغول العديد منهم باعتبار ان سعر الصرف سينحدر اكثر من ذلك و البعض مننهم كان يعمل على أساس انه سيصل الى 100ج للدولار مثلا و بعض افترى البعض اكثر من ذلك.

الصوت الحكومي

قد يكون الصوت الحكومي متأنيا في طمأنة السوق بسبب انتظار حل سيأسى له علاقة بحرب غزة، وطول انتظار الإعلان عن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وارتباط الاتفاق مع صندوق النقد مع ما تسفر عنه حرب غزة لتداعياتها المتوقعة، وتأخر برنامج البيع الحكومي سواء لشركات مملوكة للقطاع العام او استثمار مباشر من مستثمرين أجانب (خليجيون في الأساس) ، قد يكون أدى هذا الانتظار والبطء في طمأنة السوق الى مزيد من توقع انخفاض سعر صرف الجنيه المصري.

وبذلك فإن المؤشرات والبيانات وتحليلاتها بقدر استطاعتنا وعلمنا تقول ان التعويم لن يصل بانخفاض سعر صرف الجنيه عن 50% عن سعره الرسمي الحالي، اى لو ان السعر الرسمي 31ج للدولار الأميركي، فان التعويم لن يجعله يصل الى أكثر من 46 جنيه، بل قد يكون بأرضية 39 جنيه وبسقف 49 جنيه مثلا.

غشماء التحليل

ونظرا لوجود لطاميين ومستغلى الفرص وسريعي وغشيمي التحليل فلقد قاموا بالرهان على ان الجنيه المصري سينخفض بما يزيد عن 200% كما سبق ان حدث في مطلع هذا العام في السوق الموازي ليصل الى اكثر من 73 جنيه للدولار، وكان الجنيه المصري عملة الأعداء.

مجموعة من الاثار الهامة منتظر ان تؤثر على أسواق الذهب والعقارات التي اشتعلت أسعارها في الأشهر التسعة الماضية، فالذهب كان يسعر بأعلى من قيمته والعقار داب السماسرة على تخويف المستثمرين الافراد من مزيد من الانخفاض في قيمة مدخراته اذا لم يسرع في التعاقد لان المطور العقاري الذى يعمل معه سوف يقوم برفع الأسعار 10 أو 20 أو 30% غداً او بعد غد او الأسبوع الجاى (معلومات سريه لديه) وجعلوا العديد من القطاع العائلي يتورط في التزامات مستقبلية بالملايين تفوق امكانياته. العديد من تجار الأجهزة المنزلية قاموا برفع الأسعار بشكل خرافي بعد ان امتنعوا عن بيع البضائع المخزنة لتعطيش السوق.

فرحة البورصة

البورصة بدورها ستفرح سريعا وقد ترتفع الأسهم الى حين ان يفهم سريعي وغشيمي التحليل ان هناك اثار إيجابية وسلبية، فإعادة تسعير أصول الشركات وبصفة خاصة المملوكة في الغالب للقطاع العام المتداول أسهمها يعنى ان قيمة السهم الدفترية سترتفع معه القيمة السوقية وبصفة خاصة لو كانت اقل من الدفترية، ولكن يغلب الظن ان الشركات التي تمت المبالغة في المضاربة عليها سوف تتاثر سلبا مع اعلان بنود الاتفاق مع صندوق النقد الدولى.

بالقطع سيهبط سعر صرف العملات في السوق الموازي الى نفق التعويم الذي سيعلن، و سينخفض معه مباشرة سعر الذهب في الداخل، الا ان هناك فترة انتظار ستتراوح بين 3 اشهر و سنة لرجوع التجار عما في مخيلتهم، فقط قيام تجار غير مخزنين باستيراد كميات جديدة بالأسعار الجديدة الأقل، و حينها سيضطر من قاموا بالتخزين للبيع بالأسعار المستجيبة لنفق التعويم. ومن المنتظر الا يتأثر السوق العقاري الا بعد سنتين، عندما يطمان السوق الى استقرار الوضع وقيام الحكومة الجديدة بتوازن اقتصادي علمي رشيد، حينها سنرى فقاعة عقارية كبيرة وطبعا سيختفى سماسرة التخويف و لن يجد القطاع العائلي الا الله للشكوى اليه..

أتمنى نجاح الحكومة الجديدة في احداث التوازن الرشيد في الثلاث سياسات الاقتصادية والمالية و النقدية، و محاربة التضخم ليصل الى مادون ال5% في المتوسط سنويا و سعر فائدة معلن يصل الى 6% و غلق فجوة ميزان المدفوعات مع تشجيع المشروعات الصغيرة و الكبيرة في الصناعات التي تحل محل الواردات، وتشجيع السياحة العالمية دون الفكر الموظفينى إياه (يقترح وجود نائب لرئيس الوزراء للشئون الاقتصادية، لان الوضع الحالي الاقتصاد مهدر دمه بين وزارة التخطيط ووزارة الاستثمار ووزارة التموين ووزارة الصناعة)، حينها سنقول ان الاقتصاد المصري بدا مرحلة الانطلاق، يا رب.

د. عبدالعاطي لاشين

د. عبدالعاطي لاشين

أستاذ بكلية التجارة

نائب رئيس جامعة السويس

محاضر مصرفى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
البنك الأهلى المصرى