رئيسىمقالات

هاني أبو الفتوح يكتب: من يدفع فاتورة الفساد؟

من الخطأ الاعتقاد أن الفساد يتغلغل بقوة في مفاصل الدولة المصرية أكثر من المجتمعات الأخرى، هذا لا يعني أن أقلل من حجم الفساد، أو أسير في ركاب المؤيدين المتحمسين للدولة، فهم لا يروا حجم  مشكلة الفساد من فرط حماسهم، وكيف أثر الفساد على حياة المصريين. الحقيقة التي لا تقبل الجدل أن لدينا مستوى مقلق من الفساد الذي مازال سائداً منذ عقود. فلماذا أتحدث الآن عن الفساد؟ ببساطة  أود أن ألقي الضوء على سبب عدم شعور المواطن بشكل كامل بثمار الإصلاحات الاقتصادية، والتطورات الجارية في العديد من الأمور التي تمس حياة المواطن اليومية. نحن ندفع تكلفة الفساد الذي ورثناه عن الأباء والأجداد.

لا يوجد تعريف عالمي متفق عليه للفساد، نظراً لاختلاف القيم والبيئة الاجتماعية والقانونية بين الدول.

لكنَّ بعض التعاريف أصبحت مقبولة الاستخدام على نطاق واسع، مثل تعريف البنك الدولي للفساد أنه: “إساءة استغلال السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة”. وهناك تعريف آخر لمنظمة الشفافية الدولية التي تصف الفساد بأنه “إساءة استغلال السلطة المخولة لتحقيق مكاسب خاصة”. وهذا التعريف يشمل الأموال العامة والخاصة.

جملة قصيرة تلخص تكلفة الفساد على الدول. الفساد يقوض الثقة ويضعف الديمقراطية ويعيق التنمية الاقتصادية ويزيد من تفاقم عدم المساواة والفقر والانقسام الاجتماعي .

على الرغم من أن الفساد يمثل مشكلة خطيرة للغاية ، إلا أن التوصل إلى تقديرات التكلفة أمر صعب للغاية ، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى أنه نشاط خفي.

الآن ، دعنا نجيب على هذه الأسئلة البسيطة. ما هي تكلفة الرشاوى المرتبطة بمواد طبية غير مطابقة للمواصفات، أو قطع غيار سيارات مقلدة؟ ما هي تكلفة مبنى سكني إنهار بسبب فساد موظفين مرتشين  تغاضوا عن شروط البناء والسلامة؟ الخسائر التي يمكن أن تحدث بسبب الفساد ليست مادية فحسب، بل يمكن أن تتسبب أيضا في خسائر في الأرواح وإلحاق أضرار جسيمة بالممتلكات. لهذه الأسباب ، فإن تكاليف الفساد أكبر بكثير من مجرد مبالغ تدفع كرشوة، فهي كارثيّة بكل المقاييس على الاقتصاد والمجتمع.

الحكومة تدفع فاتورة الفساد حين تفقد خزينة الدولة حصيلة الضرائب بسبب التهرّب الضريبي، ونهب الأموال العامة وإهدارها واستخدامها في أغراض شخصية بدلا من الاستفادة منها وضخها في مشاريع تنموية واجتماعية تغطي مجالات الصحة والتعليم والسكن والبنية التحتية، ما ينتج عنه فقد الثّقة والإحباط وإجهاض روح المبادرة والاجتهاد، كما يعرقل تحقيق التنمية بكل أشكالها، وينتج عنه مظاهر التهميش والفقر وإضعاف الدخل الفردي، والإثراء غير المشروع . ومن ناحية أخرى، يساهم الفساد في هروب الاستثمار الأجنبي، وزعزعة الاستثمارات المحلية.

بحسب تقديرات “المنتدى الاقتصادي العالمي” يقدر تكلفة الفساد بما لا يقل عن 2.6 تريليون دولار – أو 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. و وفقاً للبنك الدولي ، تدفع الشركات والأفراد أكثر من تريليون دولار في شكل رشاوى كل عام.

وفي ذات السياق، كشف تقرير لصندوق النقد الدولي إنه في العقدين الماضيين ، تمكنت بعض البلدان من معالجة الفساد، وإذا قامت جميع البلدان بالحد من الفساد بطريقة مماثلة ، فقد تسترد 1 تريليون دولار من حصيلة  الضرائب المفقودة ، أو 1.25٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

أما في مصر فمن الصعب الحصول على تقدير لحجم الفساد نظراً لعدم وجود تعريف دقيق وشامل له، بالإضافة إلى غياب الإحصائيات الدقيقة، وعدم توفر المعلومات. ولكن اتجهت معظم الجهود لقياس الفساد المالي لما له من أثار سلبية على التنمية الاقتصادية حيث أنه يؤثر سلباً على جذب  الاستثمار الأجنبي المباشر وعلى ثقه المواطنين في أجهزة الدولة.

أما عن أكثر مظاهر الفساد في مصر كما رصدها مؤشر منع ومكافحة الفساد الإداري في مصر، فتشمل الرشاوى والهدايا والإكراميات ؛ مجاملة الأقارب والاعتماد على المعارف لتسهيل الإجراءات الحكومية؛ إساءة استغلال المال العام؛ والاستيلاء على المال العام.

وعلى الرغم من الجهود الحكومية لمكافحة الفساد، إلا أن مصر مازال أمامها العديد من العقبات  والتحديات لإحراز  تقدم في مؤشر الفساد العالمي الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، حيث تقدمت مصر درجتين  في 2020، لتصبح في المركز الـ117 من أصل 180 دولة. وعلى الرغم من التقدم البطيء في هذا المؤشر، فالتأثير الضار للفساد قد يستمر لفترة حتى تبدو النتائج أكثر وضوحاً مع استمرار الجهود من أجل تحقيق مركز أفضل في مكافحة الفساد.

خلاصة القول إن الفساد مرض قاتل ينتشر عالمياً ويلتهم ثمار التنمية. فالتكلفة الباهظة للفساد يدفع فاتورتها  المواطنين الذين لن يشعروا بتحسن الوضع المعيشي في ظل استشراء الفساد.

اقرأ أيضًا.. هاني أبو الفتوح: «أسبوع الصعيد» توج إنجازات الدولة التنموية وبرهن على الانتقال للجمهورية الجديدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
البنك الأهلى المصرى